من العاصمة المصرية القاهرة، ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاباً بليغاً عن سلام الشرق الأوسط، دعا فيه إلى تسوية النزاع الإسرائيلي -الذي يعتبر محور نزاعات المنطقة- على أساس (حل الدولتين) المستقلتين المتجاورتين. ومن ناحيته استجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر الخطاب الذي ألقاه الأسبوع الماضي، مبدياً اعترافه وقبوله لحل الدولتين، لكنه وضع شروطاً مسبقة وتعجيزية للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. على أن ذلك لا يمنع القول بحقيقة تهيئة الأجواء لإجراء تفاوض من أجل التسوية النهائية للنزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. أوباما حث الفلسطينيين على تسليط جهودهم على ما يستطيعون بناءه فعلاً، وكما ورد في خطاب القاهرة: "لا بد للسلطة الفلسطينية من بناء قدرتها على الحكم". لقد أصاب أوباما في ما قاله، ولكن كيف لهذا الهدف أن يتحقق على أرض الواقع؟ هذا هو السؤال الذي تتولى الإجابة عنه "لجنة الاتصالات المختصة" -التي أنشأتها عدة دول مانحة- خلال اجتماعها الرفيع المستوى الذي يعقد في أوسلو. فعلى إثر تقديرنا للوضع الاقتصادي الفلسطيني الحرج، توجهنا بنداء إلى المانحين دعوناهم فيه إلى الوفاء بالتزاماتهم، إلى جانب مطالبتنا لإسرائيل برفع القيود المدمرة للاقتصاد الفلسطيني، ولجهود الإصلاح السياسي التي تبذلها السلطة الفلسطينية. فنحن ندرك اليوم مثلما أدركنا في عام 1993 الذي شهد التوقيع على اتفاقات أوسلو، أن وجود السلطة الفلسطينية القوية الفاعلة، يمثل الأساس الذي يقوم عليه مستقبل الدولة الفلسطينية. كما ندرك أيضاً أن الفلسطينيين شعب كادح مثابر، وأنه متى ما كانت لهم دولتهم المستقلة القادرة على تنظيم التجارة وتوفير الأسواق الداعمة للاستثمار وتوفير الوظائف، فسوف يسعدون كثيراً بتصريف شؤون حياتهم، دون ما حاجة منهم لأي مساعدات إنسانية خارجية. لكن وبفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي إلى اليوم، لا تزال السلطة الفلسطينية تعتمد اعتماداً كلياً على المانحين الخارجيين، وها نحن نراها وهي تتعثر أمام عيوننا مباشرة. فبسبب العجز المالي الذي تواجهه في ميزانيتها -إذ يتوقع أن يبلغ نحو 400 مليون دولار خلال الشهور القليلة المقبلة- تعاني السلطة الفلسطينية معاناة حقيقية في صرف رواتب العاملين في القطاع الحكومي، وسداد فواتير خدمات الكهرباء والمياه المستحقة عليها. وفي حين لا يزال الوقت مبكراً جداً للحديث عن إعياء المانحين وإرهاقهم من طول أمد المساعدات التي يقدمونها للفلسطينيين، إلا إنه يجب القول بشعور المانحين بشيء من الإحباط جراء إهدار مؤسسات الحكم التي طالما كابدنا في بنائها خلال السنوات الماضية الممتدة، في عمليات عسكرية ظلت تجري بين الفصائل المختلفة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية منذ عام 2000. ويقيناً لا أمل يُرجى في قيام الدولة الفلسطينية المنشودة، فيما لو انهارت لبنات الحكم الأساسية التي تقوم عليها. بيد أن دعم المانحين الدوليين الثابت للفلسطينيين هو دعم سياسي كذلك وليس إنسانياً فحسب. فهدفنا هو قيام دولة فلسطينية حرة ذات سيادة، تعيش جنباً إلى جنب إسرائيل في أمان وسلام. وكان الهدف من مليارات الدولارات التي قدمت في شكل مساعدات مستمرة منذ إبرام اتفاقيات أوسلو هو تعزيز الاقتصاد ومؤسسات الحكم الفلسطينية، وليس أن نجد مؤسسات الحكم هذه في حاجة أقرب للاندثار، لا سيما في هذه الظروف التي ساءت فيها حياة الفلسطينيين وأصبحوا في أمس الحاجة لمؤسسات الحكم التي تسند ظهورهم. فما الذي يمكن فعله لإنقاذ السلطة الفلسطينية من خطر الانهيار؟ ومن المسؤول عما حدث لها؟ نجيب بالقول إننا بحاجة إلى أسلوب جديد في التعامل مع هذا الواقع، من قبل كافة الأطراف ذات المصلحة والمساهمة في إنجاح عملية السلام، أساسه تجديد العزم والعمل من أجل التوصل إلى تسوية تقوم على حل الدولتين، ووقف التراجع الحادث الآن في مؤسسات الحكم الفلسطينية. فمن جانب إسرائيل، نحتاج إلى ما يطمئن على حسن نواياها وعزمها على تحقيق السلام. ويعني الوفاء بهذا المطلب: الالتزام التام بما يحقق خطة "خريطة الطريق"، بما في ذلك التجميد الشامل لكافة أنشطة التوسع الاستيطاني، وإزالة الحواجز الأمنية المستفزة المقامة على أراضي الضفة الغربية، إلى جانب إبداء إسرائيل استعدادها للانخراط الصادق في محادثات السلام، الهادفة للتوصل إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين. ولم يكن الخطاب الذي ألقاه رئيس وزراء إسرائيل سوى مقدمة، لا بد أن تتبعها خطوات عملية ملموسة على الأرض. صحيح أن التربة باتت مهيأة الآن لإجراء المفاوضات، غير أن إحراز تقدم سريع باتجاه هذه المفاوضات يظل مطلوباً هو الآخر، لإضفاء مصداقية على المفاوضات الجديدة المتوقع انطلاقها. ونستطيع فهم ضعف الثقة المتبادل بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، على خلفية الانتكاسات العديدة، وحنث الوعود المتكرر من قبل طرفي النزاع خلال السنوات والعقود الماضية. كما ينبغي على إسرائيل أن تفي بوعدها برفع الحصار المفروض حتى الآن على قطاع غزة. فليس مقبولاً أن يستمر حرمان سكان القطاع من الحصول على الأدوية والمواد الغذائية، وكذلك من مواد البناء اللازمة لإعادة تشييد عشرات الآلاف من المنازل التي دمرتها عمليات القصف الجوي الأخيرة للقطاع في وقت مبكر من العام الحالي. فليس ثمة أمل لأي تنمية اقتصادية، دعك عن توفر الأمن والسلام في ظل استمرار الأوضاع الراهنة. وباستمرارها لن يحدث نمو لأي مجالات أو منتجات أخرى عدا عن منتجات الإرهاب والتهريب السري للأسلحة عبر الأنفاق. أما في الجانب الفلسطيني، فالمطلوب هو وحدة الصف وتعزيز الأوضاع الأمنية على امتداد الأراضي المحتلة جميعها. وعلى الفصائل الفلسطينية المتصارعة تجسير هوة الثقة القائمة بينها. ذلك أنه لن يكون سوى في وسع حركة فلسطينية وطنية موحدة وقادرة على احترام الأعراف والمواثيق الدولية وحدها، التفاوض وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بينها وإسرائيل فيما يتصل بتقرير الوضع النهائي. بذلك نصل إلى ما نحتاجه من المجتمع الدولي: العزم وممارسة المزيد من الضغط على كلا طرفي النزاع. فعلى المانحين الدوليين على حد سواء، الوفاء بتعهداتهم المالية إزاء الفلسطينيين. يلاحظ أن المانحين خفضوا التزاماتهم السابقة بمعدل 50 في المئة هذا العام، مقارنة بالعام الماضي. وفي حين نتفق جميعاً على أهمية رأب الصدع الفلسطيني، ونحمّل الفلسطينيين مسؤولية ما يحدث في صفوفهم، فإنه لا يجوز لنا تعليق مساعداتنا لهم، أو رهنها للنزاعات المتبادلة بينهم حالياً. فسوف تكون قاصمة الظهر للفلسطينيين فيما لو سمحنا بانهيار "سلطتهم". جوناز جار ستور وزير الخارجية النرويجي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"